قصة قصيرة | صاحب الظل الطويل





للكاتبة لينا عبدالله 

قصه قصيره بعنوان ... صاحب الظل الطويل ...
بقلمي ... لينا عبدالله ~

و ما النمش يا حبيبتي ... الا رمال جنه ...
تطايرت فسقط بعضها ... على الارض ..
و لم يجد مستقرا ... فلجا الى وجهك الجميل ...
حسنائي الفاتنه ... فالتعذري هذا العاشق ... 
الذي تعدى حدود العقلانيه ... و جن بك ...

-صباح الخير يا شمس ...

انتفضت الشابه فزعه ... و بردة فعل سريعه ... اخفت تلك الورقه ... تحت وسادتها الرماديه ... مع مثيلاتها ...

نظرت الى الممرضه ... ذات العقد الرابع من العمر ... و رسمت على وجهها ابتسامه جذابه ... رغم ارتباكها ... و فزعها من اقتحامها لعزلتها ... كان صوتها واضحا حين اجابت ...

- صباح النور يا زارا ...

اقتربت الممرضه ... تقدم لها صينيه الفطور المتواضعه ... التي لا تتعدى بيضه واحده ... و كأس ملىء نصفه بالحليب ... و الذي يعد فطورا ملكيا ... في مثل هذا المشفى الفقير ... 

تناولت الشابه البيضه ... بلقمه واحده ... و شربت الحليب ... برشفه واحده ... بينما الممرضه تفتح الستائر عاجيه اللون ...

-على رسلك يا شمس ... لما هذه العجله ...

تكلمت و الطعام يملؤ فمها ...
- اريد مساعد...
سيطرت عليها نوبة سعال قويه ... منعتها من اكمال حديثها ...
مما جعل الممرضه ... تترك الستائر ... و تهرول اليها ...

و بكف يدها ضربت ظهرها ... بينما تؤنبها ...
-الم احذرك مرارا ... من الكلام و الطعام في فمك ...

تناولت منها كأس الماء ... لتشربه هو الاخر دفعة واحده ... 
-كح كح ... ساعمل بنصيحتك في المره القادمه ...
و من ثم نزعت عنها الغطاء ... و بطريقه متهوره قفزت من على السرير ...

- و الان يا زارا ... فلنبدا دوريتنا الصباحيه ... 

ارتدت قبعه التمريض ... وهرولت للخارج ... غير ابهة لكلام الممرضه كالعاده ...

دخلتا الغرفه الاولى ... 
تولت زارا الفحص الروتيني ... بينما شمس تسجل الملاحظات ...
-كيف حالك يا عمي اليوم ...

فتح الكاهل عينيه برويه ... و قد اكتسى الالم ملامح وجهه السمحه ...
ارتسمت على وجهه شبه ابتسامه ... زادت من تجاعيده الداله على كبر سنه ...
حرك يده السمراء ... ليفرك شعر الشابه البرتقالي ...
-بخير يا عزيزتي ... كيف حالك انت ... 
ابتسمت ... و بثقه اجابت ... 
-افضل بكثير من السابق ... 

شاركت المراه العجوز في الزاويه في الحديث ... لتشبع فضول الجميع ... 
-عزيزتي شمس ... بما انك اصبحت افضل ... لما لا تخضعين للعلاج ...

بدا جليا الارتباك على ملامحها ... و زاده وضوحا تغيرها للموضوع ...
- دعك مني يا عمه روز ... و لنرى حالتك انت ...

تقدمت مع زارا للفحص ... دونت ملاحظاتها ... و بعد ان انتهتا من الفحص الروتيني ... توجهتا الى الغرفه التي تليها ... 

تاففت العجوز التي في المنتصف ... لتنطق اخيرا ...
-يا لها من شابه عنيده ... 
دافعت عنها روز ...
- لا تقولي ذلك ... فالطفله خائفه ... و هذا امر طبيعي ...
وافقها العجوز الراي بينما يعدل من جلسته ...
-نعم مسكينه شمس ... جسدها لم يعد يحتمل ... و قد سيطر عليها اليأس ....

اقتحم الغرفه ... طبيب عشريني ... و برفقته ثلاث ممرضات ... قطع احاديثهم بصخبه ... ليخاطب جميع من بالغرفه ... و قد قطع نفسه الجري في الممرات ... 

-الم يرى احدكم شمس ؟..
نظر كل واحد منهم الى الاخر ... ليجيبوا معا ... بينما ضحكاتهم تصل الى اخر الممر ...
- ما الامر ايها الطبيب ... مطارده اخرى بين القط و الفار ... 

اسند الطبيب ظهره الى الحائط ... و قد قطع نفسه من شده التعب ...
-ماذا اقول يا جدي ... هربت كالعاده قبل ان افحصها ...
اجابه العجوز ...
-اذا فالتذهب اليها ... فهي في الغرفه المجاوره ...

اشار بيده لتتحرك الممرضات ... بينما هو يلتقط انفاسه ... ليعود للجري مجددا ... 

لمحها من بعيد ... تنتقل للممر الثاني مع زارا ... 

-شمس قفي عندك ...

و يا ليته لم يناديها ... فمذ ان راته ... ناولت زارا دفتر الملاحظات ... ثم هرولت بعيدا ... 

-تبا ... هربت ثانية ...
ضرب الحائط بيده ... لعله يتخلص و لو قليلا من غضبه ... توقفن الممرضات حيث كانت تقف زارا ... بينما هو عاد للركض مجددا ... و قد علم بموقعها ...

نادته الممرضه الاربعينيه ... و اعترضت طريقه ... 
- ما الامر ايها الطبيب ... دعها تمرح قليلا ... فقد لزمها المرض اسبوعا كاملا دون حركه ...

اقترب منها ... و بعقلانيه رد عليها ... 
-اظنك لا تحبذين رؤيتها مغشيه ... 

صمتت و قد فهمت مقصد الطبيب ... لتبتعد عن طريقه ... و يكمل سيره ...

تحرك بخطوات بالكاد مسموعه ... ليقبض عليها هذه المره ... 

اعلى تلك الشجره الخضراء اليانعه ... طرف ثوب اصفر مزركش ... عالق بغصن الشجره ...

اقترب منها ... و شامتا خاطبها ... بينما تعلو وجهه ابتسامه منتصر ... 
-ارى انك وقعت في المصيده ... يا فاره ...
و حرك حاجبيه للاعلى لاغاظتها ...

نظرت اليه بطرف عينها ... و قد اثارت سخريته غثيانها ... و بمحاولات عديده .. لم تستطع تخليص ثوبها من غصن الشجره ...

نادها مجددا ...
- استسلمي يا شمس ... و عندها ساهب لنجدتك ...
اخرجت لسانها ... و حركت حاجبيها ساخره ...
-على جثتي ايها المتعجرف ...

و بكل ما اوتيت من قوه ... سحبت طرف فستانها لتحرره من سجنه ... 

حركت خصلات شعرها البرتقالي ... و بعجرفه نطقت ..
-ارايت يا من خال نفسه سوبر مان ... خلصت فستاني بنفسي ...
ثم جلست متربعه على الغصن ... و بحركه من يدها ...
-اذهب من هنا ... فانا لن اخضع لك ... و لن افارق مكاني ...

تافف من عنادها المستمر ... و شمر عن ساعديه ... ظهر الرعب بعينيها ...
-ما الذي تحاول فعله ...

خلع مئزره الابيض ... و ببتسامه اجاب ...
-الا ترين يا عزيزتي ... استعد للصعود اليك ...
وقفت على قدميها ... تتمسك بجذع الشجره ...

-اياك و التفكير بالامر ...
نظر اليها و قد بدا التسلق بالفعل ...
- حقا و ما الذي ستفعلينه ...
زاد الرعب بعينيها ... و قد بدت الشجره الضعيفه تهتز ...
-ارجوك لا تتسلق ... سنسقط سويا ...
عاد ينظر اليها ...
-اتعدينني بالنزول ... و تناول الدواء ...
ادارت وجهها يمينا و يسارا ... و لعنادها و يباسه راسها عادت ... و بكل وضوح اجابت ...
- باحلامك ...

رد عليها مغتاظا ...
-اوه حقا ... اذن لاكمل التسلق ...
في هذه المره ... و قد كاد يصل اليها ... صرخت قائله ...
- حسنا .. حسنا ... انت الفائز ...

عاد يظهر ابتسامه المنتصر ... و هبط من على الشجره ...
-و الان يا شمس اهبطي ...
جلست مره اخرى ... و اخرجت لسانها ...
-لن افعل ...
صاح باعلى صوت ... غاضبا ...
- شمس ..
انتفضت الشابه فزعه ... و خشيت ان يعود للتسلق من جديد ... قررت الرضوخ هذه المره ... و بدات بالهبوط ...

الا ان فستانها الطويل علق مجددا ... و لسوء حظها ... زلت قدمها لتسقط من على الشجره ...

تلقتها يدي الطبيب الشاب ... و قيدها بين ذراعيه ...
- يا الهي ... ما اجمل هذا اليوم ... اخيرا وقعت بين يداي ... 
نظرت اليه خائفه ..
-ما بك ... انا لن اكلك بالطبع ...

دخلا المشفى ... و هو مازال يحمل شمس بين ذراعيه ... يقيدها و يمنعها من الهرب ... و كالعاده سلطت انظار كل من بالمشفى عليهما ... و هما يتشاجران و تعلو اصواتهما بين الممرات ...

القى بها على السرير ... و امر الممرضتين ان تقيداها ...

-سيدي الطبيب ماكدونالد ... ارجوك لا اريد الدواء ...
اخرج الحقنه من الدرج ...
-اعتذر يا شمس هذا لمصلحتك ... فانت تعلمين ان جسدك ضعيف ....
غرز الحقنه في جلدها ... لتتاوه متالمه ... امر الممرضتين بالخروج ... 
ثم جلس الى جوارها ...

هبطت دمعه من عينيها ... قبل ان تغط في نوم عميق ...
اخذ يراقبها بحزن ... و قد الم قلبه مرضها الازلي ... 
مسح الدمعه الحاره التي تارجحت على وجنتيها ... لينطق بما فطر قلبه ...
-يا لك من عنيده ... حذرتك مرارا من الحركه ... انبتك لهروبك المستمر ... الهذه الدرجه تريدين الموت ... 

ودعها ... ثم اغلق الستائر ... و تركها نائمه ...

فتحت عينيها ... بعد ان ايقظتها الرياح الحاره ... التي لحفت وجهها ... و قد جعلت حنجرتها جافه ... 
جلست بصعوبه ... و قد سيطر عليها الدوار ... لتتناول كاس الماء من على المنضده ...

هبت نسمة حاره اخرى ... تحمل معها قصاصه ورقيه من العاشق المجهول ككل صباح ... 

تناولتها من على الارض ... و بسرعه فارقت الفراش ... مهروله الى النافذه ...

اخرجت راسها ... تبحث في الارجاء ... و اذ بعينيها تلمح ذلك الظل الطويل ... 

ارتدت حذاءا بقدميها ... و خرجت مسرعه ... 
رغم الدوار و الغثيان الذي تشعر به ... عزمت على المواصله ... 
القى عليها التحيه ... الكثير من العجائز المرضى ... و لكنها لم ترد لهم التحيه ... فحواسها الخمسه باتت معدومه ...

تقدمت بخطوات ثقيله ... تسير على تلك الحشائش الصيفيه الشائكه ... تبحث عينيها ... عن صاحب الظل الطويل ...

خلف المشفى لاحطظته ... فوسعت خطواتها ... لتتمكن من الامساك به ... التفتت و ياليته كان هو ...

خاب املها ... بلقياها للطيب ... و قد باتت بين ذراعيه ... بعد ان خارت قواها ... و فقدت وعيها ...

استيقظت هذه المره ... لتجد نفسها مقيده ... بخيط شفاف طويل ... يعلوه كيس مملوء بشيء ما ... تجهل ماهيته ...

نزعت عنها الخيط ... فخرج من يدها بضع قطرات دماء ... ازاحته عنها بقرف ... و مسحت كلتا يديها بمنديل ... حاولت ان تتحرك ... الا ان قدميها خانتاها ...
لاحظت القصاصه الصغيره ... التي برز طرفها من جيبها ... فتذكرت ... صاحب الظل الطويل ...

تناولتها ... و برويه قرات محتواها ...

احتوت الرساله كالعاده ... على كلمات تحملها على التفاؤل ... و حب الحياه ... كلمات تجعل من قلبها يرفرف متناسيه مرضها ... و احتماليه فقدانها للحياه في اية لحظه ... 

نظرت الى التقويم ... فعلمت انها كما كل مره ... غابت عن الوعي لاسبوع كامل ...

تحركت و قد باتت افضل ... توجهت الى خزانة ملابسها ... و بدلت ثيابها ...

وضعت قبعه الممرضات ... و خرجت تبحث عن زارا ... 

ذهبت الى غرفتها ... إلا انها لم تجدها ... فقررت العمل وحيده ...

توجهت الى غرفه العجائز الثلاثه ... الا انها كانت فارغه ... و هذا ينطبق على البقيه ...

بدت متعجبه ... تائهة لا تعي ما يحدث ... 

شعرت بالغثيان و الدوار من جديد ... ينذرانها بسوء حالتها ... 

حركت قدميها مغرمه ... تريد العوده الى غرفتها ...

الا انها وقفت تلتقط انفاسها عند اقرب باب ... و لسوء الحظ ... و سخريه القدر ... كانت تلك الغرفه للطيب ماكدونالد ...

حاولت ان تتحرك سريعا قبل ان يلحظها ... لو لا سماعها لاصوات النحيب و البكاء في الغرفه ...

علا صوت زارا ليطغو على صوت كل من بالغرفه ...

-ما بكم يا قوم ... لما كل هذا البكاء ... شمس مازالت على قيد الحياه ... 
صمت اطبق على الغرفه ... لتكمل بعد ان جلست على الكرسي ...

-ثم ان الطبيب ماكدونالد ياخذ الاذن من المدير ... ليجري العمليه لشمس ... 

تكلمت تلك العجوز ... ذات اللسان السليط ... 
-يالي مراهقي هذه الايام ... لو انها قامت بالعلاج الكميائي منذ البدايه لما حدث ما حدث ... و لكن لا ... راسها يابس ...

كانت شمس تستمع للجدال القائم ... و قد جمدت اوصالها ... الى هذه الدرجه حالتها خطره ... حسنا اليس من حقها ان ترفض ذلك العلاج ... اليس من حقها ان تحتفظ بشعرها ... 

اخيرا قررت الابتعاد ... و قد نالت كفايتها مما سمعت ... الى ان استوقفها من جديد ... حديث مثير ... ومن تلك العجوز المتذمره ...

- يا الهي انتم تدللون تلك المراهقه كثيرا ... فحتى عندما كانت متمرده ... كنتم تقفون الى جانبها ...

تكلمت روز لتسكتها ... 
-دعك من الماضي ... فبفضل الله ثم الطبيب ... اصبحت شمس لطيفه ... و دائمه الابتسام ...

نطقت متململه ...
- اي فضل هذا ... هو يخدعها فقط ... بقصه ذلك العاشق ... و تلك الرسائل ... انه فقط يستخدم خدع أولئك الاطباء المختصين بالمجانين ... ليجعلها تزيل فكره الانتحار ...

ترددت كلمات العجوز في راس شمس مرارا و تكرارا ... تحاول استيعاب ما نطقت به ... 

الى ان سمعت صوت خطوات ... قادمه من الممر ...

و لاحظت الظل الذي يقترب من بعيد ... كان هو ... ظل العاشق المجهول ... 

وقفت تنتظر ... متامله ان يظهر الفارس الذي انتظرته طويلا ... متمنيه ان يكون كلام تلك العجوز كذبه ...

الا ان من ظهر امامها ... بشحمه و لحمه ... طبيب عشريني بمئزر ابيض ... ليثبت نظريه المؤامره ... 

حركت قدميها تجري باسرع ما يمكن ... قبل ان يلحظها ... و عادت الى غرفتها ...

بكل ما اوتيت من قوه ... اخرجت كيس الرسائل المدسوس اسفل و سادتها ...

لتبعثر محتواه ... فتشكل سجادا ابيض ...كسا الارضيه ... 

راحت عيناها تتحرك سريعا ... بين اسطر الرسائل ... كمغزل الخياطة ...

كلمات غزليه مزيفه ... عبارات تدعو الى التفاؤل خادعه ... تحت اسم مستعار سخيف ... 

لامت نغسها ... على غبائها و سذاجتها ... لكنها وعدت نفسها ان تلقنهم درسا ... دون ان ترضخ ...

اقبل الطبيب اليهم ... و على وجهه ابتسامه ... ليطمئن قلبهم ... بتلك البشاره ...

وافق المدير اخيرا ... و ستجرى العمليه لشمس ... 

لكن لفقر هذا المشفى الحكومي ... و سوء أدواته الطبيه ...

تمت الموافقه ... على ان يتكفل الطبيب ماكدونالد و بشكل سري ... تكاليف علاح شمس جميعها ...

تقدم مع زارا الى غرفه شمس ... و قد شمر عن ساعديه ...مرتديا مئزر العمليات ... و منتهيا بكفين ابيضين ...

وقفا عند الباب ... و صعقا مما رايا ... الرسائل جميعها ممزقه و منثوره ... اما الملابس فكانت مبعثره ... و حالها لايقل سوءا عن حال الرسائل ... 

بالمختصر الغرفه كانت في حاله كارثيه ...

شهقت الممرضه ... 
- لابد ان شمس ... سمعت بما قلنا ...

بخطوات واسعه سريعه ... صعد السلالم ... بينما صوره شمس على تلك الحافه تتراى امامه ... 

كما ان اول لقاء لهما ... كان على السطح ... حينما تلقاها بين ذراعيه ... مانعا اياها من الانتحار ...

زاد من سرعته ... و قد سيطرت على مخيلته ... المشاهد الدراميه الدمويه ... و التي جسدت شمس بصور بشعه ....

استعاذ من كل سيء قبيح ... و قد وصل للقمه ... و هاهي شمس تقترب من الهاويه ... عازمه على ملاقاة حتفها ...

نالت القصه على اعجابك ؟.


تعليقات